الكاتب جان جينيهمئوية "جان جينيه" صاحب" يوميات لص"مئة عام بالتمام مرت على ميلاد الكاتب الفرنسي الشهير جان جينيه والتي شهدت
حياته تقلبات كثيرة جال فيها عدة بلدان أفريقية وآسيوية وزار أمريكا أيضا
للتضامن مع منظمة الفهود السود، قضى حياته كاتبا ومناضلا ومستطعما لطعم
الحياة متعدد المذاقات، حيث مزج السياسة بالفكر بالأدب بالحب بالعاطفة
بالجسد ليقدم لنا نصه الفريد الذي يمكنك أن تقرأه في كتاباته المتميزة
بابتعادها عن قيم المروءة والصدق والوفاء والإخلاص واقترابها جدا من
ممارسات تضج بها الحياة كالحب والسرقة والخيانة والغدر معتبرا القيم
الإيجابية الكلاسيكية قيم بورجوازية.
ولد جان جينيه في شهر ديسمبر/كانون الأول 1910 وتوفي في منتصف شهر
إبريل/نيسان 1986 في فرنسا، لكن تم دفنه في مقبرة اسبانية قديمة في مدينة
العرائش المغربية.
ويرتبط جان جينيه بالمغرب ارتباطا وثيقا ففيها عاش حقبات مهمة من حياته
بدأها عام 1931 عندما زارها كجندي متطوع في الجيش الفرنسي بمدينة مكناس،
والمعلوم أن جان جينيه تطوع في الجندية ليتمكن من الخروج من سجن القاصرين
فقادته الجندية الى دمشق والجزائر والمغرب، لكن بعد سنوات قليلة هرب من
الجندية التي أثرت في وجدانه حيث تطرق إليها في كتابه يوميات لص في أكثر من
موضع يقول : 'إن الشعور بالكرامة الذي يمنحه الزي العسكري للفرد، والعزلة
عن العالم التي يفرضهاهذا الزي بالإضافة الى مهنة الجندي نفسها، وهبتني
قسطا من الراحة والثقة بالنفس حتى ولو أن الجيش يوجد على هامش المجتمع-.
مما خفف من وضعي كطفل تم إذلاله بشكل طبيعي."
اشتهر جان جينيه بنضاله ودعمه لقضايا التحرر الوطني مثل القضية الفلسطينية
والمقاومة الجزائرية وحقوق المهاجرين المغاربة فدعم الفلسطينيين وعاش معهم
في مخيماتهم وشهد أيضا مذبحة صبرا وشاتيلا التي قضى فيها أربع ساعات متنقلا
بين الجثث وكتب عنها في مجلة الكرمل عام 1983 وصفا حيا مؤلما جدا ساعة
قراءته
تقول الكاتبة المغربية د عائشة البصري في مقالة لها عن علاقة جان جينيه بالفلسطينيين في مقالة لها:
الحقيقة أنه حين يتعلق الأمر بجان جينيه يستحيل اختزال علاقته بالفلسطينيين
في القضية نفسها ـ بغض النظر عن إيمانه بصوابها ـ بل يجب الأخذ بعين
الإعتبار بقيمه الأخرى مثل الجمال والموت والعنف والعزلة: 'هل كنت لأحب
الفلسطينيين لو لم يجعل منهم الظلم شعبا مشردا؟' يتساءل جينيه الذي طالما
ردد ' أنا مع كل انسان وحيد'، 'أحب من أحب وهم دائما أشخاص جميلون وأحيانا
مضطهدون لكنهم صامدون في ثأرهم'.
وعلى الرغم من تطوعه في جيش الاستعمار الفرنسي الذي قمع سوريا آنذاك إلا أن
جان جينيه كان تعاطفه مع السوريين وحقهم في التحرر والاستقلال والحرية
كبيرا ففي حديث جمعه مع الصحافي الفرنسي بيرتران بوارو ديلبش في يناير
1982 وصف جينيه الشعور المُربك الذي انتابه حينذاك ودفع به لخيانة فرنسا من
أجل كسب حب العرب قائلا:
'لقد كان شباب دمشق يستمتعون كثيرا بإطلاعي على الدمار الذي ألحقته
بالمدينة مدافع الجنرال غورو. إذ صارت لدي رؤية مزدوجة للبطل والشخص الحقير
والمقيت في نفس الوقت الذي كان يمثله غورو. هكذا سرعان ما أحسست بوقوفي
الطبيعي إلى جانب السوريين. ربما كان هذا الإحساس في البداية يتسم بشيء من
المَكر لكوني كنت أرغب أن ينظروا إلي نظرة حسنة، وأن يحبوني وأن يسمحوا لي
بأن أشاركهم لعبة الورق'.
الجدير بالذكر أن قبر جان جينيه بمدينة العرائش يلقى الكثير من الزيارات
الثقافية فمعظم الأدباء العرب الذين يزورون المغرب أو طنجة بالذات يحرصون
على زيارة هذا القبر الذي يحوي كاتبا كبيرا دافع عن قضايا الحرية بقلمه
وروحه وساعد الكثير من المحتاجين وكتب إبداعاته السيرية والمسرحية
والروائية بمداد الألم.