تستضيف عمان معرضا لفنانين تشكيليين عراقيين يلقي الضوء على جوانب كثيرة من حياتهم عبر رسومات تحاكي تراثهم وحكايات وأساطير بلدهم الذي كان يوما احد اكثر المجتمعات انفتاحا في الشرق الاوسط.
ألوان داكنة حزينة وأخرى صارخة تترجم صخبا وموضوعات مستقاة من الثقافة الشعبية الشائعة وكائنات اسطورية مثل آدم وحواء ومساجد وقباب وزوارق ونخيل وعنب ونساء... تلك ابرز ما يميز لوحات هذا المعرض.
ويشارك في المعرض "السنوي الاول" للفنانين التشكيليين العراقيين الذي افتتح الاحد في مقر رابطة الفنانين التشكيليين الاردنيين في جبل اللويبدة في عمان والذي يستمر اسبوعا، 12 فنانا ابرزهم وداد الاورفلي وماهود احمد وابراهيم العبدلي ووسماء الاغا. وغالبية هؤلاء الفنانين يقيمون في الاردن منذ سنوات.
وتتميز لوحات ماهود احمد الذي تخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1959 ثم نال شهادة الدكتوراه في علوم الفن في روسيا عام 1979، بروح الاسطورة والبطولة وبالرمزية، خصوصا اساطير بلاد ما بين النهرين.
ويقول احمد لوكالة الصحافة الفرنسية "احاول التعبير عن الاحداث من خلال الاساطير بروح عصرية فأذكر مقومات شعبي وحياته وتضحياته ليس بشكل مباشر وانما بشكل رمزي وكأننا لا نتعامل مع البصر وانما تكون البصيرة هي القائم المشترك بيننا وبين شعبنا".
وتبرز احدى لوحات احمد امرأة تجلس أرضا وقد وضعت رأسها على ثور اسود ممدد، يقول انه "الاله زيوس عندما تحول الى ثور كي يستطيع ان يسرق الفتاة التي احبها. وهذه اسطورة مستمدة من بلاد الرافدين لكنها تحولت إلى أسطورة اغريقية".
وتغلب على شخصيات هذا الفنان طابع الحزن، وهو يبرر ذلك قائلا "لاننا مهجرين نشعر باحزاننا واحزان البعيدين في وطننا ".
من جهتها، تؤكد الفنانة وسماء الاغا التي انطلقت مسيرتها الفنية في اواسط السبعينات وقد تبنت أساليب جديدة ومختلفة وإنما بروح شرقية، ان "الفن التشكيلي في العراق ما زال يحتفظ بمكانته الرفيعة في الدول العربية".
وتثير لوحات الاغا الحاصلة على شهادة الدكتوراه في فلسفة تاريخ الفن من جامعة بغداد عام 1996، الدهشة اينما حلت. وهي تصور اساطير تتجه نحو التراث الانساني للشعب العراقي وتعبر عن الشرق الذي نراه بشكل طاغي في اعمالها الفنية. وقد شاركت بلوحتين هما "كيد النساء" و"عباد الشمس".
اما الفنانة ندى يونس التي درست الهندسة الكهربائية في جامعة الموصل، فتعبر في لوحاتها عن مشاعر الاغتراب والحنين والشوق الى وطنها العراق.
وصورت ندى في احدى لوحاتها العديد من الزوارق اثناء عودتها في وقت الغروب. تقول "القوارب تذكرني بنهر دجلة في بلدي العراق ومنظرها وهي عائدة جميل يريح النفس. وهي ترحل لتعود من جديد ونرجو ان نعود نحن ايضا إلى بلدنا يوما مثل هذه الزوارق".
وتميل ندى إلى الفن الحديث وتكثر في لوحاتها المناطق القديمة. وقد سبق لها ان رسمت أحياء شرق عمان وغربها وابرزت أوجه التشابه بينها وبين مناطق في بغداد ومدن عراقية أخرى.
وفي ما يتعلق باعمال الفنانة راجحة القدسي خريجة كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد عام 1972، يطغى عليها اللونين الابيض والفيروزي. هي واقعية من حيث المضمون ومعاصرة من حيث التنفيذ والشكل، كما الوجوه والطيور البيضاء والبيئة البغدادية لديها متساوية من حيث القيم الجمالية.
وتحمل لوحات القدسي وجوها نسائية رقيقة تظهر فيها شاعرية اللمسة وبساطة التكوين، في ما يشبه القصائد.
وتقول القدسي التي مرت بمراحل كثيرة قضت القسم الأكبر منها في رسم البيوت والأحياء البغدادية بنوافذها وشناشيلها، انها تميل الى "الحركة والى شفافية الألوان التي تعطي تكوينها البسيط نوعا من الشاعرية والنغم الجميل".
اما تكرار النساء في اعمالها فتبرره قائلة "لأنني احب المرأة لانها عنصر جميل في العمل الفني، ولانني احب السلام واكره العنف ولون الدم".
وتضيف "الاوضاع في بلدنا أثرت فينا كلنا. لذلك تراني ارسم دائما عن بغداد التي ولدت فيها وقضيت فيها اجمل ايام حياتي".
ويقول الفنان مهدي الاسدي ان "اقامة هذا المعرض يعبر عن استمرارية الفنان التشكيلي العراقي وقوته. فعلى الرغم من كونه خارج العراق الا انه ما زال مثابرا".
واضاف ان "الفنانين العراقيين متميزون دائما لانهم يحملون تراثا غنيا هو امتداد لهذا التراث الكبير.. من الثور المجنح واسد بابل ومسلة حمورابي. كيقما تجولت في العراق تجد آثارا أنجزها النحاتون والفنانون القدامى الذين عاشوا على ارضنا".
ويعود تاريخ الفن التشكيلي في العراق الى ثلاثينات القرن الماضي عندما اوفدت الدولة العراقية فائق حسن "1914-1992" وجواد سليم "1920-1961" الى باريس لدراسة الفن.
واقيم اول معرض شخصي في بغداد عام 1936 من قبل الفنان حافظ الدروبي "1914-1985"، الذي شغل فيما بعد منصب عميد كلية الفنون الجميلة وكان مؤسس اول مرسم حر في العراق.
لكن الفن التشكيلي في العراق عانى من التهميش والاهمال بعد الغزو الاميركي عام 2003، وقد فقدت معظم مقتنيات الرواد العراقيين المشهورين وهجر من تبقى منهم على قيد الحياة إلى الخارج.
وقد سرقت أعداد كبيرة من أبرز أعمال الرسامين العراقيين الرواد التي كانت ضمن مقتنيات "مركز صدام للفنون" الذي يعرف حاليا باسم "متحف الفنون"، من قبل لصوص غير محترفين تنقلوا بها من متجر إلى آخر.
وكان هذا المتحف يضم ثمانية الاف عمل متحفي ومخزني لم يتبق منها سوى 1440 لوحة وتمثال منحوت صغير